الإمام الجواد (عليه السلام) والتمهيد لظهور المصلح الإلهي
تعد القضية المهدوية والاعتقاد بخروجِ مصلحٍ عالميٍ يُقيم دولة العدل الإلهي في أرجاء المعمورة؛ ضرورة من ضرورات الدين، وأصل مهم من أصول العقيدة الحقة، وهذا ما أكدته الكثير من النصوص القرآنية الكريمة التي جاءت لتشير بشكل قاطع إلى حتمية خروج إمامٍ عدلٍ هو محمد بن الحسن(عجل الله فرجه) التاسع من ولد الإمام الحسين(عليه السلام) ليملئ الله تعالى على يديه الأرض قسطاً وعدلاً ويقيم شرعة الحق بين الناس كقوله تبارك وتعالى:(ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ، أما الأحاديث الشريفة المروية عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت(عليهم السلام) فهي الأخرى اتخذت المنحى ذاته وجاءت تترا تبشر بهذا الوعد الإلهي وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث ذكرت تفاصيل كثيرة حول شخصية الإمام الموعود ودوره في زمن الغيبة الصغرى والكبرى، ووجه الانتفاع به في غيبته الشريفة، وما يرافق هذه الحقائق من أحداث وتغيرات ومعطيات.
وإمضاءاً لمشيئة الله تعالى في خلقه، وحتمية حدوث هذا التحول التاريخي في مسيرة الإنسانية؛ انبرى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لمهمة التعريف والتبشير بالإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)، وتوضيح كل ما التبس على الأمة من أمره، فضلاً عن إشاعة ثقافة الانتظار، وتهيئة الأرضية المناسبة لإنجاح مهمته الشريفة.
ومن هذا المنطلق انتهج إمامنا محمد بن علي الجواد(عليه السلام) المسار ذاته ومارس دوره الكبير للتمهيد والتعريف بالإمام المنتظر(عجل الله فرجه) من خلال ما بثه من أحاديث وأقوال، موظفاً في ذلك قرب الفترة الزمنية لتوليه منصب الإمامة من زمن ولادة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)، حيث لم يفصل بينهما سوى خمسين عاماً، كما سعى الإمام جاهداً لتنبيه الناس وشد أفكارهم واهتمامهم لهذه القضية المصيرية، والترويح والتفريج عن المؤمنين وبعث روح الأمل فيهم.
فعلى الرغم من العقبات والمشاكل التي اعترضت طريق الإمام الجواد(عليه السلام)، ومحاولات خصمائه في السلطة العباسية الغاشمة تغييبه عن الساحة الدينية والاجتماعية والسياسية؛ استطاع أن يمهد الأرضية الفكرية لقبول فكرة قيادة الأمة من قِبل إمام غائباً عن الأنظار، وحاضراً في النفوس والوجدان، ويكون ملاذاً للمؤمنين يرجعون إليه في أمور دينهم ودنياهم، هذا فضلاً عن ترسيخ مبدأ الإمامة المبكرة التي بدأت من مرحلة توليه منصب الإمامة، وجعلَها أمراً بديهياً تقره الكثير من النصوص القرآنية الشريفة.
نعم فقد كانت حركة الإمام(عليه السلام) بهذا الاتجاه من خلال جملة من الوصايا والإرشادات التي أُثرت عنه كان طابعها العام هو البُشرى بالإمام المهدي(عجل الله فرجه)، وطبيعة التدبير والتمهيد الإلهي لإنجاح مشروعه الإصلاحي في الأمة، ولعل خير ما يمكن الاستشهاد به في هذا الصدد ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، حين قال:(دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) وأنا أريد أن اسأله عن القائم هل هو المهدي أو غيره ؟ فابتدأني قائلاً: ( يا أبا القاسم منا هو المهدي الذي يَجِبُ أن يُنتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمداً بالنبوة، وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدينا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى، إذ ذهب يقتبس ناراً فرجع وهو رسول نبي)، وأضاف الإمام الجواد (عليه السلام) قائلاً: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج) .
يتحدث إمامنا الجواد(عليه السلام) في هذا النص المبارك عن بعض من صفات حفيده (عجل الله فرجه)، ويركز على أمور جوهرية في حركته المباركة؛ حيث يستهل حديثه بوجوب انتظاره وطاعته والتسليم لأمره، ثم ينتقل إلى حقيقة مهمة تكمن في الصلة الوثيقة التي تربط بينهما بقوله (وهو الثالث من ولدي)، ليشير بعدها إلى الوعد الإلهي بانجاز هذا المهمة العظيمة التي تعد خلاصة ما جاءت به الرسالات السماوية كافة، وإصلاحِ أمرَ صاحبه في ليلة..
إن هذه الشذرات المضيئة من أحاديث وروايات إمامنا الجواد(عليه السلام) تعطينا مؤشراً واضحاً على الاهتمام البالغ الذي كان يوليه لهذا الأمر الرسالي، متبعاً في ذلك نهج وسيرة أبائه وأجداده الكرام(عليهم السلام) الذين ما ادخروا جهدا، أو وفروا سعياً في التعريف بشخص الإمام الموعود وميزات عصره، وعلامات ظهوره وغير ذلك..