الِذِبْحٍ العَظِيمٍ
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
تختلط فريضة الحج بتاريخ الأنبياء (عليهم السلام) وخاصة خليل الرحمن(عليه السلام) فتأسيس مدينة مكة المكرمة وبناء البيت والسعي بين الصفا والمروة من مظاهر ذلك ومنه ذبح الهدي في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة وهو من واجبات الحج فأنه يرتبط بحادثة تاريخية فبعد أن يهاجر الخليل (عليه السلام) من بابل بعد أن يواجه الطواغيت هناك بعد تلك الهجرة يطلب من الله أن يرزقه ولداً إذا لم يكن له ولد وهو وزوجته كبار السن ومثلهم لا يولد له والولد بالنسب إلى الوالدين امتداد وكل البشر يميلون بفطرتهم إلى هذا الامتداد لكنه (عليه السلام) لم يطلب ولداً كيفما أتفق بل طلب ولدا صفته من (الصَّالِحِينَ) وهذا دأب الأنبياء والصلحاء في طلبهم الولد فزكريا (عليه السلام) عندما يطلب الولد (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَة) فالابن إن لم يكن صالحاً وطيباً فقد يكون وبالاً على أهله وعلى العموم جاءت الاستجابة الإلهية لدعاء الخليل (عليه السلام) (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) وهي ثلاث بشائر مرة واحدة الأولى أنه سيرزق طفلا ذكراً وإن هذا الطفل يبلغ سن الفتوة (غُلَام) والثالثة إن هذا الغلام يتصف بالحلم (حَلِيم) وبعد تحقق هذه البشارة بل البشارات الإلهية يُأمر الخليل (عليه السلام) بنقل هذا الطفل الذي بشر به وأمه إلى صحراء قاحلة جوار حرم الله ويفتح الطريق بهذا الانتقال إلى تأسيس مدينة مكة المكرمة وإعادة بناء بيت الله الحرم والذي سيبعث به حفيد الخليل وأبنه (عليه السلام) في نفس هذه المدينة وإلى جوار البيت الحرام وما كان من الخليل (عليه السلام) إلا امتثال الأمر الإلهي بأبعاد زوجته وأبنه إلى وادي غير ذي زرع وبعد مدة طويلة وضمن سلسلة الامتحانات الإلهية يؤمر بعد أن يبلغ أبنه إلى مرحلة عمرية (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) وهي المرحلة الذي يستطيع فيها السعي وبذل الجهد مع والده في مختلف أمور الحياة وإعانته عليه وقد نصت الروايات على أن عمر الابن كان ثلاث عشرة عاماً في هذا السن الذي يكون الولد أحلى وأغلى ما يكون في نظر والده وخاصة إذا كان الوالد كبير السن وفي حالة شبه اليأس من الولد في هذا السن يرى الوالد رؤيا عجيبة - ورؤيا الأنبياء (عليه السلام) وحي- هذه الرؤيا تخبره بأنه مأمور بذبح أبنه وتتكرر هذه الرؤيا ثلاث مرات ليلة التروية وليلة عرفة وليلة عيد الأضحى فكان على أتم الاستعداد لتطبيق هذا الأمر الإلهي لكنه أراد أن يهيء ولده له فهو لا يخدعه ولا يريد أن يأخذه لساحة الذبح بصورة عمياء بل أراد أن يكون ذلك بملء إرادته واختياره ويشركه في الامتثال للأمر الإلهي فقال (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) فما كان من هذا الولد صاحب الثلاث عشرة سنة إلا أن يقول (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فقد بدأ خطابه بكلمة (يَا أَبَتِ) كي يوضح أن هذه القضية (ذبح الوالد لولده) لا تقلل من عاطفة الابن تجاه أبيه ولو بمقدار ذرة ما دام هذا الأب مأمور من قبل المولى سبحانه (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) ومع ذلك أظهار الأدب العبودي الرفيع مع المولى سبحانه فأنه لا يعتمد على إيمانه وإرادته وتصميمه فقط إنما يعتمد على الله ومشيئته ويطلب توفيق الاستعانة (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وفعلاً استسلما للامتحان الإلهي فكان الخليل(عليه السلام) ذابح وابنه(عليه السلام) ذبيح عند ذلك جاء النداء الإلهي (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) فقد فاز الوالد والولد بالامتحان الصعب وكانت النتيجة (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) وخُلد هذا الفداء في الشريعة الإسلامية فقد أوجب المولى سبحانه على كل حاج إن يذبح هدي في حج التمتع.