ثقافة أينعت من خطى عاشوراء
الغور في حوافر الزمن, يظهر فيه الكثير من الحوادث التاريخية العصيبة والتي خطها القدر بأنامله الأريبة, تاركاً فينا أثرا عميقا لا يمكن نسيانه, لأنها تصور لنا تضحيات ثلة طيبة من الرجال المؤمنين, من الذين نذروا دمائهم الزكية وبذلوا مهجهم التقية لنصرة دينهم وعقيدتهم السمحاء, ولم يأبهوا للظلم الذي وقع عليهم, لأنهم أهل للحق وإحقاقه في الأرض, ومن أولئك النجباء إمامنا الحسين(عليه السلام) الذي اظهر لنا باستشهاده أصول ثقافة أغنت العالم عن الثقافات الأخرى وهي(عاشوراء) الإباء, النقطة الفاصلة قي تاريخ الإنسانية والتضحيات الجسام والدالة على المواقف السنية لأهل بيت النبوة الكرام(عليهم السلام).
خرجت ملحمة الطف بمعطيات ثقافية رائعة توجت صفحات التاريخ الإسلامي, إشراقة البطولات الحقة ما لم تخلده الملاحم الأخرى في العالم أجمع, ولأنها أتت من مواقف عقائدية نقية استندت إلى الفكر الراقي الذي عرف به أهل بيت النبوة الكرام(عليه السلام), و التي اشتملت في طياتها على مبادئ عدة, منها حفظ الدين الاسلامي والخط الرسالي من التحريف من قبل الطغاة, ولأن أصول تلك الثقافة هي نبوية بحتة, وهي من موروث الإمامة النابض بالعطاء, والذي اتخذه إمامنا الساعي لمرضاة الله(عليه السلام) ثقافة له, ترتكز على مبادئ عظيمة منها بذل الغالي والنفيس لنصرة الإسلام, وهي تختلف كثيرا عن الثقافات الأخرى المبنية على أساس تبادل الخبرات بين الشعوب, فالثقافة الحسينية بنيت على منهج العطاء من اجل مرضاة الله تعالى, وفعلا وهب الإمام(عليه السلام) نفسه للسيوف من اجل مقارعة الباطل وتقويم المجتمع ومحو أثار الرياء, فعمق المفاهيم التي اُرخَت في سطور الطف مبينة تعابير الروح وخلجاتها النقية المؤمنة النابعة من إرادة أبي الأحرار(عليه السلام).
فمبدأ الثقافة العاشورائية انطلق منذ الخطوات الأولى في الدعوى لنصرة العقيدة الأصيلة, والذي كان عاقبته انتصار دمه الطاهر, على سيوف الجور والطغيان, فيزيد الملعون وأعوانه خذلوا الدين, ولم يراعوا حرمات الله, وخرجوا لحرب سبط رسوله الأكرم(صلى الله عليه وآله), وهم بفعلتهم الدنيئة نشروا الخيوط الأولى للإرهاب في ارض المقدسات, العراق والعالم الإسلامي, وما زال أتباعهم يستهدفون الموالين للإمام(عليه السلام), ويحاولون بشتى الطرق قطع الشعائر الحسينية الكريمة في شهر محرم, ولكن يبقى المؤمن الواعي بأهمية السير على درب وخطى الإباء(عليه السلام), دون أن يخضع إلى مخططات الإرهاب هو الأوفر حظا للفوز بالشفاعة والجنان, فإمامنا(عليه السلام) حاضرا بيننا بتضحياته الخالدة وهو مصدر إلهام للمؤمنين, وان خروجه نحو كربلاء ومواصلة المسير انما هو خطوة لكسر طوق الخوف الذي يبتغيه الإرهاب الغاشم, وللمرأة المؤمنة دورا واضحا في الحث على ذلك, وكذلك يمكنها استلهام معاني الكرامة الحقيقية وتأصيلها في نفوس الأبناء, وتذكيرهم بان واقعة الطف لم يطفأ لهيبها إلى يوم الوعد وهو انتظار القائم من ال محمد(عجل الله فرجه), والذي سيأخذ الثار من قتلة جده الحسين(عليه السلام) وسيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما مُلأت جورا, وان صوت الحق الأزلي المدوي من ارض كربلاء يهز عروش الطغاة إلى ابد الدهر, ويجب أن تكون المؤمنة اليوم فطنة من مخططات الإرهاب ومحصنة فكريا بعقائد الثورة الحسينية, لتستطيع رد أي عدوان على الافكار والمقدسات والحرمات, حيث نرى أن السياسة العاتية لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) هي من ضمن التعنيف الذي حذر منه نبيناالأكرم (صلى الله عليه وآله) المؤمنين في حديثه:(سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه) , ففلسفة القتل واستهداف الشعائر الحسينية إنما تنم عن حجم المؤامرة الكبيرة التي تمتد أصولها إلى واقعة الطف عندما أذوا إمامنا الحسين(عليه السلام) ونساءه وأبناءه, فغور تلك السياسة الكريهة عميق, وأوتاده عتيدة, ولأن مستقبل الأجيال في خطر من الظلاميين, فلتكن الإرادة زينبية, والعقيدة حسينية لدحر الإرهاب, وليكن بذل الغالي والنفيس من الأموال والأبناء والمضي في خطى كربلاء للقضاء على فلول بنو أمية في ارض المقدسات, واعلمي عزيزتي أن مصير الظالمين هو العذاب والرعب كما حدثنا الباري في كتابه العزيز وفي قوله تعالى:( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ) , فلتكن خطواتك وخطوات أبنائِكِ ثابتة نحو كربلاء الإباء, لأنها الرصاصة المدوية التي تفجر عروش الطغاة وتحطم قرونهم الشيطانية المتمثلة بالإرهاب.