شبابنا .... إلى أين ؟
قد يفهم بعض الشباب أن الله تعالى قد أباح الهجرة في جميع الأوقات والأزمان، وإلى جميع الجهات في مشارق الأرض ومغاربها وذلك لتفسير قوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ) ، برأيه وفق ما يناسب ذوقه الشخصي ومراعاة لمصالحه. والحقيقة أن الناس في الهجرة ثلاث، كالاتي:
1-تجب على من لا يمكنه إظهار دينه، وممارسة فرائضه وعباداته.
2-تستحب الهجرة لمن كان في بلاد الكفر، لمن كان ذو عشيرة تحميه ورهط يكفيه عن المشركين، ويمكنه أن يظهر دينه، ويؤدي فرائضه وممارسة طقوسه.
3-تسقط الهجرة عن المسلم المعذور لمرض أو ضعف.
وقد أفتى الفقهاء بتحريم إقامة المسلم المستضعف في بلد الكفر الذي لا يستطيع فيه أداء الفرائض والشعائر الإسلامية، وأوجبوا إليه الهجرة إلى بلد مسلم يؤدي فيه ما أوجبه الله عليه.
واليوم انقلبت المعادلة وانعكست القضية، فالمسلم اليوم يهاجر إلى بلد الكفر والشرك، لا لأجل شيء وإنما لأجل البحث عن الدعة والرفاهية وعدم المسؤولية، ,و...و....و، وبحجة البحث عن الحرية والأمان. وعلى الطرف النقيض من شباب الإسلام المتحرر الذي كان يهاجر من بلده فارا بدينه الذي حاربه الطغاة خوفا على كراسيهم. قال تعالى :(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) . الآية الكريمة تشير الى إن الهجرة لا تصح إلا لأجل الدين سواء المحافظة على الدين أو لطلبه في بلدان أخرى، وبذلك تكون هجرته إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الهجرة لها الأجر الكبير والثواب العظيم، وإن لم يبلغها بالموت أو غيره. وهناك هجرة أخرى قد توجب في بعض الأحيان، كالهجرة لطلب العلم، ولذلك لقوله (صلى الله عليه وآله) : (اطلب العلم ولو بالصين) ، وقطعا طلب العلم الدنيوي كالطب والهندسة وكل علم نافع يستفيد منه الناس، وكذلك لطلب الرزق او لغرض التجارة، مصداقا لقوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ، أو لطلب علاج وغيره.
وإذا كانت الهجرة لها مراتبا فالأولى الخروج من دار الكفر، والثانية هجرة اللسان، أي مفارقة الآفات اللسانية من الغيبة والتهمة والفحش واللعن وغيرها، والثالثة الهجرة بالقلب وهي الأعراض عن كل ما سوى الله تعالى، وبهذه المراتب الثلاث والتي فحواها الهجرة بالدين، والمحافظة على الطقوس والشعائر. والمهاجر ببدنه دون لسانه وقلبه فهو في مرتبة أدنى، وأما المهاجر ببدنه ولسانه فهو في مرتبة الوسطى ، والمهاجر ببدنه ولسانه وبقلبه فهو أعلى وأشرف .
اليوم في بلدي هناك هجرتان، الهجرتان سببها البحث عن الحرية وتوفير الأمان، لكن شتان ما بينهما، الأولى: إلى خارج البلاد، تبحث عن مكان وسط الكفر وجمع الآثام في كل مظاهر الحياة، أناس لا يعرفون من الدين حرفا بل لا يعرفون ولا يفقهون من دينهم شيئا، وكل الموجود فيه مشكل ويؤثم فيه العبد، حتى السير في الشوارع. وصاحب هذه الهجرة قد يتوفر له المكان النظيف، والهواء العليل، والمناظر الخلابة.
والثانية: أيضا تبحث عن الحرية وتوفير الأمان، لكن صاحبها مهاجر بدينه مدافع عنه وباحث عن فرص توفير الأمان لا لنفسه بل لكافة أهل العراق، فضلا عن دفع الخطر عن المقدسات والمحرمات. هذه الهجرة فيها الأجر العظيم والثواب الجزيل، كل خطوة يخطوها المهاجر في الحسنات، أنفاسه معطرة برائحة البارود، يفترش الأرض، ويلتحف السماء، أمامه طريقان، إما الشهادة وثوابها الجنان، أو الثبات في الجهاد كذلك ثوابه الجنان.