من تاريخ التربية والتعليم في مدينة الكاظمية المقدسة: تأسيس أول مدرسة أهلية
أقام الملك فيصل الأول في أول سنة من حكمه للعراق (1340هـ/ 1921م) مجلساً لعزاء الحسين عليه السلام في الصحن الكاظمي الشريف، وكان خطيب المجلس الشيخ كاظم الشيخ سلمان آل نوح خطيب الكاظمية، وحيث أن المجلس هو مجلس الملك (وقد حضر شخصياً لأكثر من مرة) فمن المؤكد أن العديد من الحضور كانوا من الأشراف والأعيان، وقد استثمر الخطيب حضور الملك بنفسه وهذا الحضور ودعا إلى التبرع لفتح مدرسة في الكاظمية، ونتابع الموضوع من خلال ما نشرته الصحف آنذاك، فقد نشرت جريدة العراق، السنة (2)، العدد (406)، بغداد الجمعة 20 محرم 1340/ 23 أيلول 1921، ص: 2 الأخبار المحلية تحت عنوان "المدرسة الأهلية في الكاظمية": يعلم كل عراقي ما لبلدة الكاظمية من الأيادي البيضاء في النهضة العراقية، فقد أظهرت من الشجاعة الأدبية في مواقف عديدة ما عجزت عنه سائر المدن، لذلك كنا على ثقة أن ستعقب تلك الشجاعة والأعمال نهضة أدبية مثلها، حتى جاء ذلك اليوم الذي كنا نتوقع حلوله وظهرت بارقة الآمال، فصار كل من الأهليين على اختلاف طبقاتهم يشعر بضرورة وجود مدرسة أهلية، وسرت الرغبة فيهم لمساعدة هذا المشروع بسرعة زائدة، ولا غرو فإن الكاظمية اليوم أول بلدة تجلّت على منابرها النهضة العلمية بأجلى مظاهرها، وذلك بواسطة خطبائها الأفاضل الذين عرفوا داء الأمة ودواءها، فاخذوا يهيئون الأفكار لتأسيس جامعة علمية كبرى تسد حاجة الأمة، ولا عجب بعد أن رأيناها تضم بين دفتيها رجالاً من أهل العلم والعمل الذين طمحت إليهم الأنظار.
وقد تقرر قبل أيام الشروع في تأسيس أول مدرسة أهلية من نوع المدارس الابتدائية تدعى (مدرسة فيصل الأول) تيمنا باسم جلالة ملكنا المحبوب، وعقدت النية على توسعة نطاقها وتوسيع منهاجها لتصبح كلية في المستقبل القريب، فشرع بالعمل مساء أول أمس في محفل عزاء الحسين (ع) فجمع في بضع دقائق ما جادت به أكف الكرام من أشرافها لأجل التأسيس فقط (6100ربية) وتأجل تبرع الباقين إلى ما بعد افتتاح المدرسة، والأمل وطيد أن هذه المدرسة ستكون فاتحة مدرسة أخرى في القريب العاجل، وليس ذلك بعزيز على أهلها.
ونشرت جريدة دجلة، السنة (2)، العدد (74)، بغداد الجمعة 20 محرم الحرام 1340/ 23 أيلول 1921، ص:2-3 سبق أن نشرنا مقالا لحضرة الأديب (عراقي أمين) شرح فيه المساعي التي كانت مبذولة لفتح مدرسة أهلية في الكاظمية، وما اعترضها من العقبات التي حالت دون ظهورها، واليوم بلغنا أن الأهليين افتتحوا باب الاكتتاب على اثر خطب حضرة الشيخ كاظم الشيخ سلمان وتحريضاته في محفل عزاء الحسين (ع) لانجاز هذا المشروع مساء أول أمس، فجمعوا في بضعة دقائق (6100 روبية) لتأسيس المدرسة وعمل الأثاث لها فقط، وقد تقرر تبرع الآخرين عند افتتاح المدرسة. باسم العلم والمعارف وباسم الأمة نشكر حضرات المتبرعين الكرام ونرجو للقائمين بهذا المشروع التوفيق والنجاح، واليك أسماء المتبرعين:
1100 روبية السيد جعفر عطيفة رئيس البلدية
1000 روبية الحاج عبد الحسين جلبي وأخيه عبد الغني جلبي
1000 روبية الحاج محمود الاستربادي
300 روبية الشيخ علي الكليدار (ومثلها سنويا)
500 روبية الحاج ياس جلبي (ومثل نصفها سنويا)
300 روبية حمودي عبيدة
300 روبية السيد ابو الحسن خادم الكاظمين (ع)
200 روبية السيد مصطفى الشعرباف
200 روبية محمد حسن الحاج رزوقي
100 روبية السيد محمد الصراف
200 روبية السيد خليل السيد محمد علي
200 روبية إبراهيم علي الصايغ
200 روبية محمد السلطان (احد مشايخ بني تميم)
500 روبية الحاج عبد الحسين الكاظمي (نزيل الكويت)
وفي ديوان الشيخ كاظم آل نوح، الجزء الثالث، (بغداد: مطبعة المعارف، 1368هـ/ 1949م)، الصفحة 825، أن المدرسة حينما فُتحت تم استئجار دار لها ووضعوا لوحة على بابها (مدرسة المفيد)، وفي الصفحة 734 من الديوان نفسه أن المدرسة استقامت سنين وهي بيد الأهالي، ثم انتقلت إلى وزارة المعارف.
تجدر الإشارة إلى أن المدرسة قائمة حتى يومنا هذا ( عام 2015) وتحمل الاسم نفسه، أما الروبية فهي العملة الهندية التي كانت متداولة بالعراق منذ الاحتلال البريطاني له سنة 1917م، وحينما أصدرت الدولة العراقية الدينار كعملة وطنية لأول مرة عام 1932م فقد كان يعادل 13 روبية (أي أن قيمة الروبية الواحدة حوالي 75 فلساً)، وفي الوقت نفسه كان الدينار العراقي يعادل 86ر4 دولار أمريكي (أي أن قيمة الدولار الواحد حوالي 206 فلساً).