معترضون على ماذا
كثيرة هي الانتماءات التي يتبناها الإنسان في حياتهِ والتي من خلالها تحدِّد هويته السلوكية والأخلاقية، حيث يبدأ بتبني ما هو منسجم مع ميولهِ وثقافتهِ واعتقادهِ والتي بدورها تحدد تلك الانتماءات والتكتّلات، ومن هنا تبدأ مسألة التنوع والتشكيل في المجتمعات كافة، ومما لا يخفى على كل متتبع إن هذه الانتماءات لا بد وأن تكون لها قمة الهرم الذي أسّس هذه الفكرة أو الأطروحة وبعد ذلك يتبنى القيادة غيره بعد رحيله، حيث يتصدر بأعلى الهرم أو التنظيم، أما باقي المنتمين فعليهم الإيمان بذلك القائد أو رأس الهرم لكونه يمثل الزعامة الروحية وهذا واضح من النظرة التشريعية وثابت فيها، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) وهذا التسليم والانقياد لرسول الله انتقل من خلال الأدلة إلى الأئمة سلام الله عليهم، ثم بعد ذلك إلى المرجع الأعلى وفق ما نعتقده.
ولكن الذي يبعث على الغرابة والاستهجان أن هناك فئة ليست بالقليلة دائمة الاعتراض والتشكّي وعدم القبول أو الرضوخ بما يصدر من الإمام أو نائبه العام أو الخاص، بل يصل الأمر حتى إلى الاعتراض وعدم المقبولية بما يصدر من الرسول نفسهِ وعدم التسليم لأوامره، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة، ولعلّ يوم الغدير ورزيّة الخميس هي من أكبر الشواهد وأهمها على ما قلناه وكيف وصل الحال بالأمة إلى يومنا الحاضر، فلو أردنا أن نفهم دوافع هذا الاعتراض والرفض بعيداً عن تهمة النفاق وعدم الإيمان، لا يبقى لنا إلا أن نوجّه هذهِ التصرفات بدوافع نفسية تحولت بمرور الوقت إلى صنمية تمنع الإنسان من الانقياد والانصياع إذا ما استشعر أنها (أي توجيهات الرأس للهرم) تمسّه من جهةٍ شخصية أو تمس مصالحه أو صورته المبنية في أذهان الناس، وليت شعري لو أنه راجع نفسه ولو للحظة وتأمل في أنه لماذا يطيع في بعض الأوامر ولا ينصاع إلى بعض منها لاسترشد للحق الذي غفل عنه.
قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) فمبدأ التجزئة والتبعيض مرفوض، وسياسة التجزئة أمر غير مقبول على من تبنى وانتمى، نعم اللّهم إلا إن كان يريد الخروج عن انتمائهِ ويبدله بالانتماء لغيره، فإن ذلك قد يكون أهون الخطب من التمايل والتأرجح بين الرفض والانصياع، اللهم إنا نسألك السداد والتوجيه لما فيه رضاك وإن كان فيه سخط الناس فأنت حسبنا وكفى.