الإمام علي "عليه السلام" .. وينابيع الحرية
إن الإيمان الأصيل العميق بالحرية، نجده في الاسس التي قامت عليها مناهج أمير المؤمنين "عليه السلام" في الحكومة والسياسة والإدارة، فنظرته إلى الحرية مستقاة من نظرته العامة في الكون والمجتمع، بما يُمكن للناس من العيش الكريم ويهبهم الفرصة للانطلاق في ميدان الحرية بكل أشكالها ومعانيها والامتداد في الافق الانساني الوسيع، فأول مسلك في طريق الحرية هو إعلانه للناس مسؤوليته في إقامة ما هو حق وتهديم ما هو باطل.
فالحرية بمفاهيمها الواسعة هي مصدر الأصالة في حكومة علي بن أبي طالب "عليه السلام" وفي سياسته وإنها مرتبطة بعلاقات أبناء المجتمع بعضهم ببعض، بقدر ماهي مرتبطة بالضمير والوجدان ثم أن الإنسان الصاعد في طريق التعاون والتأخي لا يمكنه هذا الصعود إن لم يكن حراً بجانبيه الذاتي والاجتماعي فليس حراً ذاك الذي لا يصفو ضميره من الشوائب التي تحط بالقدر الإنساني وليس حراً ذاك الذي يهمله المجتمع علمياً وإن أقر بحقوقه أو ببعضها إقراراً نظؤياً في سبيل هذا البناء في الفرد والجماعة وقف علي "عليه السلام" من محبيه ومبغضيه على السواء موقف المصمم العازم، لا بقهره مطمع في غير الحق ولا يزعزعه عما هو عليه وعدّ أو وعيد، وكان يعلم حق العلم ان ذلك ثقيل على بعض الناس فيقول " ان أمرنا صعب مستصعب".
ان علياً "عليه السلام" حرر نفسه مما تقيد به ولاة زمانه من أغلال الأشرار بالحسب والنسب وحرر نفسه من المطامع في الملك والمال والجاه والكبر والاستعلاء.
وكذا الحال في حرية العقيدة الدينية فهي حق من حقوق الناس في دستور الإمام علي "عليه السلام"، فبما ان الحرية لاتجزأ، فان الإنسان لايمكنه أن يكون حراً من جانب ومقيداً من جانب آخر، فالمسلم أخو النصراني شاء أم أبى، لأن أخو الإنسان شاء أحب أم كره، ولو لم يكن الدنوّ من الفضيلة هو المقياس الأصيل في دستور الإمام "عليه السلام" في الحرية ولو ام تكن الحرية الفاضلة حقاً مقدساً لديه لما أمتدح من يسيرون على منهج المسيح "عليه السلام" كما امتدح من يسيرون على منهج محمد "صلى الله عليه وآله"، وقد سبق لنا أن نذكر خبر علي "عليه السلام" مع النصراني الذي سرق له درعاً وادعى انه اشتراها وكيف عامله الند بالند أو الأب للأبن ثم ماكان من شأنه أمام شريح القاضي وكيف أصبح النصراني في عداد من ناصروا الإمام "عليه السلام" بدمهم وحياتهم.
فالتعصب الديني مذموم في منطق علي "عليه السلام" وهو مغاير لأبسط قواعد الحرية التي يؤمن بها على أوسع نطاق ويقيسه بأرحب المقاييس ولا عجب في ذلك، فالإيمان عند علي "عليه السلام" نابعاً من أصوله الإنسانية ومن نظرته العامة إلى الحياة والوجود.