مع الشهداء
لا يستطيع أحد مهما علا أن يعرف قيمة الشهادة وأجرها ونتائجها في الدنيا والآخرة،ويكفي المقتول في سبيل الله فخراً أن عمله الصالح هذا لا يوجد ما هو أفضل منه فـ (فوق كل بر بر حتى يُقتل الرجل في سبيل الله) ، و(أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه)، وقد نهى الله سبحانه في القرآن الكريم عن الاعتقاد والحسبان بأن المجاهدين الذين ختموا جهادهم بالتضحية أنهم أموات (وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ) , فهم يتمتعون بحياة هي أرقى من هذه الحياة فيها من أنواع الكرامات بحيث يتمنون الرجوع إلى الدنيا للقتال مرة أخرى والاستشهاد ثانية وهم في فرح غامر من كثرة النعيم الدائم, ويستبشرون بالمجاهدين الذين لم يلحقوا بهم أما زمانا أو رتبة، وأكثر من ذلك نهى القرآن الكريم عن مجرد التلفظ بذلك (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ) بل هم أحياء حياة ولا يشعر بها البشر، وهو الحياة المنعمة الأبدية عند مليك مقتدر وبجوار الأنبياء والأولياء والشهداء السابقين فـ (من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته) ولن يسأل في قبره فـ (كفى ببارقه السيوف على رأسه فتنة) وكيف لا يكون كذلك وقد قدّم كلّ ما يملك لربه فليس له هدف إلا رضوان الله سبحانه وهو هدف متحقق سواء أنتصر المجاهد عسكرياً أو لم ينتصر، فإن الانتصار الحقيقي هو الوصول إلى الهدف والوصول إلى الله سبحانه بأقصر الطرق وهو هدف كبير يسعى له كل عاقل ففيه لقاء المحبوب سبحانه، فلذلك يتحرك ويتحرق شوقاً لهذا اللقاء ويكون كأمير الشهداء علي بن أبي طالب (عليه السلام) آنس بالموت من الطفل بثدي أمه والشهادة ليست من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر، ويتبع ذلك الزهد في هذه الدنيا وزينتها وزخرفها ومقاماتها فإنها كلها وبكل ما تتضمن (مَتاعٌ قَليلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ) ، وهذا الدرس الكبير كما يوجد في القرآن الكريم يوجد وبصورة واضحة في مدرسة عاشوراء للذين يعيشون جزء من حياتهم تحت منبر سيد الشهداء (عليه السلام) ويجددون ذكراه كل سنة مما يخلق حالة ارتباط وثيقة بين الأحياء في الدنيا والأحياء عند الله, والتصميم والعزم على المضي على هذا الدرب اللاحب ومواصلة المسيرة, مما يخلق في النفوس استعداداً للتضحية والفداء ويتحول كل واحد من الأمة إلى مشروع للشهادة في سبيل الله ولإعزاز دين الله ولإذلال أعداء الله ووقوف عدوانهم وصد هجومهم بل وطردهم من البلاد وتخليص العباد من ضغطهم وشرهم وشرورهم، فإذا تحول المجتمع كله أو من يجب عليه الجهاد منهم إلى حاله (الشهيد الحي) يعني استعداد الحي للموت دفاعاً عن الحق والمقدسات مما له الأثر التربوي الكبير على مفاهيم الفرد ومسلكه في الحياة، وكذلك الأثر المعنوي الكبير في الوصول إلى عزة وكرامة المجتمع وعدم الخضوع للعدو الغاشم ببث روح الشجاعة والإقدام والجرأة على المواجهة مع العدو مهما كان شرساً ومهما وقفت وراءه قوى يحسبها الناس عظمى لكنها مع قوتها الظاهرية فلم تهزم أمة سلاحها الشهادة وكرامتها به, والقتل لها عادة وعلى باقي الأمة إحياء ذكرى وذكريات الشهداء بذكر بطولاتهم وجهادهم وحفظ أسرهم و عوائلهم ورعايتهم ودعمهم مادياً ومعنوياً وأهم من ذلك السير على الدرب الذي ساروا عليه.