وفاءً لوريث الرسالة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة تُقيم مراسم استبدال الرايتين إلى السوداويتين إيذاناً بقدوم شهر محرم الحرام

تُعد ذكرى عاشوراء وواقعة كربلاء خصوصاً من الأحداث الكبرى التي خلدها التاريخ الإسلامي وهزّت الضمير الإنساني بأسره، وغيّرت مجرى التاريخ بملحمتها البطولية، لما تحمله في طياتها من قيمٍ ومعانٍ سامية لها وقع كبير في نفوس المسلمين، وبها أضحى الإمام الحسين "عليه السلام" المثل الأعلى للفداء والتضحية ونبراساً للحق، ومناراً للهدى تستضيء به الأُمة الإسلامية في مسيرتها نحو العدل والإصلاح.

واستعداداً لبدء موسم الحزن والعزاء في ذكرى استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار وأصحابه الأفياء "عليهم السلام"، شهدت رحاب الصحن الكاظمي الشريف إقامة المراسم السنوية المهيبة لاستبدال رايتي قبتي الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" برايتي الحزن السوداء تزامناً مع رفعها فوق قباب العتبات المقدسة العلوية والحسينية والعباسية والمزارات الشريفة في عموم البلاد، بحضور العديد من الشخصيات الدينية والاجتماعية، ومشاركة حاشدة من أهالي مدينة الكاظمية المقدسة، في مشهدٍ يفيض حزناً وولاءً لنهج الحسين "عليه السلام".

استهلت المراسم بتلاوة مباركة من الذكر الحكيم شنّف بها أسماع الحاضرين قارئ العتبة المقدسة السيد عبد الكريم قاسم، أعقبها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة والتي ألقاها أمينها العام بيّن فيها قائلاً: (من جوارِ الإمامينِ الكاظمينِ الجوادين "عليهما السلام"، ومن قلبِ مدينةِ كظم الغيظ والعفو عن الناس والإحسان اليهم مدينة موسى والجواد "عليهما السلام" ببغداد، نُحيي معًا لحظاتِ تجدد ذكرى الفاجعة الاليمة المهيبة بقدومِ شهرِ محرّم الحرام، شهرِ المصابِ الجلل، شهرِ كربلاء القداسة والدمعةِ الساكبة التي لا تجف .. لنرفع معها أسمى آيات التعازي بهذا المصاب الجلل إلى مقام صاحب العصر والزمان "عجل الله تعالى فرجه الشريف" وإلى مقام المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف متمثلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله الشريف" وإلى علمائنا الأعلام والعالمين الإسلامي والإنساني وإلى كل أحرار المعمورة وإلى أرواح الشهداء الابرار،  شهداء المبدأ والعقيدة والدين الحق عند الله تعالى في كل بقاع العالم الذين ساروا على درب الإمام الحسين "عليه السلام" وعلى درب جده وأبيه وأمه وأخيه والأئمة التسعة المعصومين من ذريته وبنيه وهم ينادون هيهات منا الذلة.. وإلى كل الذين برهنوا أنهم ثابتون ضد قوى الشر والظلم والظلام والاجرام والاستكبار والطغيان مع الدعاء لمولانا صاحب العصر والزمان بتعجيل الفرج والعافية والنصر ولهم بالنصر المؤزر في هذه الساعة وفي كل ساعة والتسديد في التمهيد لدولة العدل الإلهي.

وأكد في كلمته: إنّ الأمانةَ العامة للعتبة المقدسة الكاظمية وهي تحتضنُ هذه الشعائر الحسينية العظيمة تنظرُ إلى هذا اليوم لا بوصفهِ عملاً تقليديًّا، بل هو موقف عقائدي يعبّرُ عن عمقِ الانتماءِ إلى مدرسةِ النبي واله الاطهار مدرسة الإمام الحسين "عليه السلام" الخالدة، ونؤكدُ أنّ رايةَ الثباتِ على المبادئِ الحسينية، ستبقى خفاقةً ما دامتِ الأرواحُ تلهجُ بالولاء، والقلوبُ تنبضُ بالإيمان.. معلنةً أنَّ النداءَ الحسينيّ ما زالَ يتردّدُ في قلوب وضمائرِ الأحرار (هَل مِن ناصِرٍ يَنصُرُني)؟..

وأضاف: إن الأمانةَ العامة للعتبةِ الكاظمية المقدسة تستشعرُ عمقَ المسؤولية في هذه المناسبة، مجددةً العهد والولاء لنهجِ الإمام الحسين "عليه السلام"، وتؤكّدُ أن خِدمةَ الزائرين والمعزّين هي شرفٌ لنا لا يُضاهيه شرف، وواجبٌ علينا لا يتخلّى عنه خَدَمةُ هذه العتبة المقدسة.. وتوفير كلَّ الخدمات الممكنة مما يُعين الزائرين على أداء شعائرهم، وتسهيل وتنظيمِ المسيراتِ العزائية، لأننا نؤمنُ أنَّ هذه الخدمةَ ليست مهنةً، بل عقيدةٌ حقة خالدة وتراث نعتزّ به ونفتخر ونفاخر به ما حيينا).

أعقبتها المراسم العزائية المهيبة لاستبدال الرايتين المباركتين، ومشاركة الرادود الخادم كرار الكاظمي بقراءة مجموعة من المراثي واسى بها النبي الكرم "صلّى الله عليه وآله وسلم" وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام".

واختتمت المراسم العزائية بمشاركة عزائية للمواكب والهيئات الحسينية في مدينة الكاظمية المقدسة حاملين فيها رايات الولاء بهذه الفاجعة الأليمة، وقد كان في استقبالهم خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري، الذي رحّب بهذه الجموع المؤمنة المشاركة في إحياء الذكرى الأليمة، لتختتم مسيرتهم بمجلس تأبيني بمشاركة الرادود سجاد الأنباري مستذكرين مآثر الثورة الحسينية ومواقفها الخالدة. 

ومن أرض الكاظمية المقدسة، حيث تنبض القلوب بالولاء صادق لآل محمد، ويتجدّد العهد مع كل راية سوداء تُرفع، ومع كل دمعة تنهمر، ومع كل موكب يُحيي ذكرى الطف، بأن نبقى أوفياء لهذا النهج الرسالي، ونواصل إحياء هذه الشعائر بما يليق بمكانتها المقدسة وامتدادها في ضمير الإنسانية.